سورة البقرة - تفسير تفسير الشعراوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)}
بعد أن بين الله سبحانه وتعالى أن اليهود والنصارى قد حرفوا كتبهم، أراد أن يبين أن هناك من اليهود والنصارى من لم يحرفوا في كتبهم.. وأن هؤلاء يؤمنون بمحمد عليه الصلاة والسلام وبرسالته.. لأنهم يعرفونه من التوراة والإنجيل.
ولو أن الله سبحانه لم يذكر هذه الآية لقال الذين يقرأون التوراة والإنجيل على حقيقتيهما.. ويفكرون في الإيمان برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. لقالوا كيف تكون هذه الحملة على كل اليهود وكل النصارى ونحن نعتزم الإيمان بالإسلام.. وهذا ما يقال عنه قانون الاحتمال.. أي أن هناك عددا مهما قل من اليهود أو النصارى يفكرون في اعتناق الإسلام باعتباره دين الحق.. وقد كان هناك جماعة من اليهود عددهم أربعون قادمون من سيناء مع جعفر بن أبي طالب ليشهدوا أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قرأوا التوراة غير المحرفة وآمنوا برسالته.. وأراد الله أن يكرمهم ويكرم كل من سيؤمن من أهل الكتاب.. فقال جل جلاله: {الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} [البقرة: 121].
أي يتلونه كما أنزل بغير تحريف ولا تبديل.. فيعرفون الحقائق صافية غير مخلوطة بهوى البشر.. ولا بالتحريف الذي هو نقل شيء من حق إلى باطل.
يقول الله تبارك وتعالى: {أولئك يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فأولئك هُمُ الخاسرون}.. ونلاحظ أن القرآن الكريم يأتي دائما بالمقارنة.. ليكرم المؤمنين ويلقي الحسرة في نفوس المكذبين.. لأن المقارنة دائما تظهر الفارق بين الشيئين.
إن الله سبحانه يريد أن يعلم الذين آتاهم الله الكتاب فلم يحرفوه وآمنوا به.. ليصلوا إلى النعمة التي ستقودهم إلى النعيم الأبدي.. وهي نعمة الإسلام والإيمان.. مقابل الذين يحرفون التوراة والإنجيل فمصيرهم الخسران المبين والخلود في النار.


{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122)}
لو رجعنا إلى ما قلناه عندما تعرضنا للآية (40) من سورة البقرة.. وقوله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بعهدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فارهبون}.. فالحق سبحانه وتعالى لم ينه الجولة مع بني إسرائيل قبل أن يذكرهم بما بدأهم به.. إنه سبحانه لا ينهي الكلام معهم في هذه الجولة.. إلا بعد أن يذكرهم تذكيرا نهائيا بنعمه عليهم وتفضيله لهم على كثير من خلقه.. ومن أكبر مظاهر هذا التفضيل.. الآية الموجودة في التوراة تبشر بمحمد عليه الصلاة والسلام وذلك تفضيل كبير.
التذكير بالنعمة هنا وبالفضل هو تقريع لبني إسرائيل أنهم لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه مذكور عندهم في التوراة.. وكان يجب أن يأخذوا هذا الذكر بقوة ويسارعوا للإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه تفضيل كبير من الله سبحانه وتعالى لهم.. والله جل جلاله قال حين أخذت اليهود الرجفة.. وطلب موسى عليه السلام من ربه الرحمة.. قال كما يروي لنا القرآن الكريم: {واكتب لَنَا فِي هذه الدنيا حَسَنَةً وَفِي الآخرة إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ قَالَ عذابي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزكاة والذين هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل يَأْمُرُهُم بالمعروف وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المنكر وَيُحِلُّ لَهُمُ الطيبات وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبآئث وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ والأغلال التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فالذين آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ واتبعوا النور الذي أُنزِلَ مَعَهُ أولئك هُمُ المفلحون} [الأعراف: 156-157].


{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)}
هذه الآية الكريمة تشابهت مع الآية 48 من سورة البقرة.. التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: {واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}.
نقول إن هذا التشابه ظاهري.. ولكن كل آية تؤدي معنى مستقلا.. ففي الآية 48 قال الحق سبحانه: {لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}.. وفي الآية التي نحن بصددها قال: {لاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ}.. لماذا؟ لأن قوله تعالى: {لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً}.. لو أردنا النفس الأولى فالسياق يناسبها في الآية الأولى.. ولو أردنا النفس الثانية فالسياق يناسبها في الآية الثانية التي نحن بصددها.. فكأن معنا نفسين إحداهما جازية والثانية مجزي عنها.. والجازية هي التي تشفع.. فأول شيء يقبل منها هو الشفاعة.. فإن لم تقبل شفاعتها تقول أنا أتحمل العدل.. أي أخذ الفدية أو ما يقابل الذنب.. ولكن النفس المجزي عنها أول ما تقدم هو العدل أو الفداء.. فإذا لم يقبل منها تبحث عن شفيع.. ولقد تحدثنا عن ذلك بالتفصيل عند تعرضنا للآية 48 من سورة البقرة.

37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44